حوار أجرته جريدة المدينه مع / الأديب حمد حميد الرشيدي

الرشيدي: التكنولوجيا والسوق السوداء ضيعتا وهج الشعر

[BIMG]http://m.salyaum.com/media/cache/bb/f2/bbf2eb5f25be3b3a628a4de75a535320.jpg[/BIMG]

حاوره: خيرالله زربان- جدة
الأربعاء 18/06/2014
عزا الشاعر والروائي حمد حميد الرشيدي خفوت وهج الشعر في الزمن الحاضر إلى سببين أولهما انتشار ظاهرة بيع الشعر حتى أصبحت له سوق سوداء، وزيوع التعامل مع التكنولوجيا، مع الامتهان الكبير للشعر على مستوى فاقدي الموهبة وأنصافها حتى أصبح الشعر مهنة ما لا مهنة له.. كما الرشيدي دعا الرشيدي إلى الاهتمام بالأندية الأدبية المرتكزة في المدن الكبرى نظرًا لما تقدمه من نشاط أكبر من مثيلاتها في المناطق الطرفية، ممتدحًا كذلك ما تشهده الرواية السعودية من حفاوة عربية بحصولها على عدد من الجوائز المعتبرة، بما يدلل على تميزها في الخارطة العربية.. تجربة الرشيدي الشعرية، والرواية، ومشاركتها في المؤتمرات الثقافية والأدبية، ورؤيته لتجربة الانتخابات في الأندية الأدبية، وغير ذلك من محاور في سياق هذا الحوار..

حالات خاصة

* كيف ترى ما يقدمه نادي الرياض الأدبي؟ ولم أنت غائب عنه؟

ما يقدمه نادي الرياض جيد بوجه عام، ولا بأس به. ولكن هذا النادي، بخلاف غيره ونظرًا لأهمية موقعه الجغرافي من العاصمة الرياض، يجب أن يضاعف جهوده وأنشطته الثقافية والأدبية ويكثفها، وعلى وزارة الثقافة والإعلام أن تراعي في مثل هذه الحالة الأندية التي تقع في المدن الكبيرة من المملكة وكثافتها السكانية، التي ينتج عنها تنوع اجتماعي وثقافي وأيديولوجي مختلف للسكان في معارفهم ومواهبهم وطاقاتهم البشرية، وأن تدعم ميزانيتها السنوية كالرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام.. أما فيما يخص (غيابي) عن نادي الرياض، كما جاء في السؤال، فأنا لم أغب عن الأندية الأدبية بالمملكة، ولكن ما حصل لي هو مجرد انقطاع في السنوات الأخيرة للتواصل مع مثل هذه الأندية والمشاركة في فعالياتها وبرامجها لأسباب عدة، أهمها: ظروف عملي كموظف حكومي، وهناك سبب هام آخر هو أن بعض المسؤولين والعاملين في الأندية الأدبية- سامحهم الله - صاروا في الآونة الأخيرة لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن المبدعين والأدباء والمثقفين وتقديمهم للناس من خلال منابر الأندية، التي يعملون فيها، واكتفوا بالتركيز فقط على بعض الأسماء البارزة إعلاميًا.

حرب واتهامات

* كيف تقرأ تجربة الانتخابات في الأندية الأدبية؟

الحقيقة أن تجربة انتخابات الأندية الأدبية لدينا لم تلق نجاحا يليق بها حتى هذه اللحظة رغم صدور أمر اقرار هذه الانتخابات ولوائحها التنفيذية منذ ما يزيد على عقد من السنين.. بل ربما كان وضع أنديتنا في السابق وقبل اعتمادها لنظام الانتخابات والعمل بموجبه أفضل مما هو عليه وضعها في الوقت الراهن.. ولا أدري لماذا تحولت المسألة بين أعضاء الأندية وبعض العاملين فيها إلى ما يشبه الحروب الكلامية والإعلام الفضائحي وتبادل الشتائم والاتهامات عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، كما حدث مؤخرا في بعض الأندية لدينا؟ هذا يوجه اتهامه لذاك بالفساد الإداري للنادي، وذاك يتهم الآخر بتقصيره تجاه واجبه حسب موقعه الوظيفي من ناديه.. إلخ بدلا من توظيف السياسة الانتخابية لأنديتنا الأدبية والاستفادة منها بالشكل الصحيح والسليم، الذي وضعت من أجله أساسا ولمصلحتنا جميعا.

حصيلة قليلة

* ما هي حصيلتك من المشاركة في المؤتمرات؟

قليلة جدًا، كان آخرها «مؤتمر الأدباء السعوديين» الذي تم إحياؤه العام الماضي على شرف أمير منطقة المدينة المنورة الأمير فيصل بن سلمان، وبحضور وزير الثقافة والإعلام د. عبدالعزيز خوجة.. وتمثلت مشاركتي خلال هذا المؤتمر بتدشين كتابي «خيبر» الصادر عن وكالة الوزارة للشؤون الثقافية ضمن سلسلة (هذه بلادنا) عام2013م حيث تم توزيع كمية كبيرة من هذا الكتاب على ضيوف المؤتمر وحضوره والمشاركين فيه مجانا.. وآخر مشاركاتي في الفعاليات الثقافية كانت في معرض الرياض الدولي للكتاب للعام الحالي 2014 في أبريل الماضي، حيث أتاح لي هذا المعرض كغيري من الأدباء والكتاب والمؤلفين والناشرين أن أقوم بعمل حفل توقيع لآخر مؤلفاتي الصادر للعام الحالي ألا وهو كتابي الذي يحمل عنوان (خيبر ومعالمها في الشعر العربي).

مرآة القارئ

* أي قصائدك تنحاز بالرضا والتفضيل؟

ليس هناك نص شعري معين يمكن أن أقول إنه أفضل نصوصي بالنسبة لي شخصيا.. وأعتقد أن هذا السؤال يمكن توجيهه للقارئ أو السامع أو المتذوق للشعر بوجه عام فهو أفضل مني في الإجابة عن مثل هذا السؤال. انني – كشاعر – لا يمكنني أن أرى نفسي الا من خلال قرائي، انهم كالمرآة بالنسبة الي، حين انظر فيها أرى فيها جميع ملامحي الشخصية وتفاصيلها كمبدع، وبدونها لا يمكن أن أعرف شيئا عن هويتي الفنية والابداعية بالشكل الصحيح.

كذب وخيال
* على أي وجه تقرأ مقولة «أعذب الشعر أكذبه»؟

المقصود بـ(الكذب) هنا في هذه المقولة تحديدا هو (الخيال) بمعناه الواسع والشامل، إذ إن الخيال جزء لا يتجزأ من (الشعر). وليس المقصود به الكذب بمعناه اللغوي المجرد الذي يعني التدليس والخداع، والغش، فهوعكس (الصدق) والأمانة والبراءة وضدها تماما. أي باختصار شديد أريد ان أقول إن الكذب الفني والادبي الذي يعتبر (الخيال) احد وجوهه مطلوب وهو المقصود بالمقولة الواردة أعلاه، وهو يختلف تماما عن الكذب الأخلاقي المنبوذ تماما من حياة المجتمع وثقافته وتربيته.

سوق شعرية سوداء

* ماذا على الشعر أن يفعل ليعود له ألقه المفقود في الزمن الحاضر؟

هناك عوامل كثيرة قللت من وهج الشعر في الوقت الراهن، وغيرت من مكانته العريقة والأثيرة لدى عامة الناس. من هذه العوامل ما هو بسبب اجتماعي ومنها ما هو بسبب (تكنولوجي) بحت.. ومن تلك الأسباب الاجتماعية مثلا: امتهان الشعر- وخاصة الشعر الشعبي منه- بحيث أصبح مهنة من لا مهنة له، حتى صار الجميع يريدون أن يكونوا شعراء بأية طريقة كانت لدرجة أن البعض- ولا أقول الكثير منهم- قد بلغ بهم الأمر أن يشتروا القصائد لينسبوها لأنفسهم، وكأنه قد أصبحت لدينا (سوق شعرية سوداء لبيع الشعر وشرائه).. صحيح أن لدينا شعرا حقيقيا وشعراء شعبيين يحق لنا جميعا أن نشيد بما قدموه لنا من إبداع شعري رائع حقا!! ولكنهم قلة على أي حال مقارنة بشعراء الساحة الشعبية المتزايد بأعداد كبيرة يوما بعد آخر.. أما الأسباب (التكنولوجية) فهي كثيرة، منها أن التقنية الحديثة، من إنترنت، ومواقع تواصل اجتماعي: فيس بوك، تويتر، واتساب وغيرها قد أوجدت بدائل تعبيرية جديدة للناس، يعبرون من خلالها عما يجول في أنفسهم بأريحية تامة، وبعيدا تماما عن الشعر، وقوانينه الصارمة التي لا يجيد

فن التعامل معها إلا شاعر متمكن.
* لكن البعض يرى أن الشعر الشعبي «النبطي» يجد مساحة من القبول، أكثر من الفصيح؟

صحيح. مادام أن السؤال يقول (البعض) ولم يقل (الكل). هذا السؤال أرى أنه قد أجاب عن نفسه بنفسه فعلا!!

انعتاق
* على ماذا تتكئ القصيدة العربية في رهانها الحاضر؟

الأساس الذي تتكئ عليه القصيدة العربية قديما وحديثا هو انعتاقها من (الاقليمية) و(المناطقية) وتحررها من الحدود الجغرافية الضيقة المرتبطة ارتباطا وثيقا باللهجات العربية المختلفة وأقاليمها وتنوع ثقافاتها وتراثها الشعبي المختلف - بدوره- من اقليم لآخر، وهو أمر كانت ولا تزال تعاني منه القصيدة الشعبية أو (الأشعار اللهجية) المتعددة في أنحاء متفرقة من وطننا العربي، حين تحاول الامتداد خارج نطاقها الجغرافي الدي وجدت فيه أساسا.

* لم كل هدا الصراع حول الأجناس الشعرية الحديثة مثل قصيدة النثر؟
قصيدة النثر- عموما- لا أحد ينكر انتماءها للأدب ،فهي من أحدث الأجناس الأدبية في أدبنا العربي الحديث ،وليس من الضرورة أن تكون شعرا خالصا، وإنما قد تكون مزيجا

أدبيا وفنيا مركبا من الشعر والنثر معا في وقت واحد.
* كثرت المسابقات الشعرية في الفضائيات... فأي دور لعبته ومادا تأخذ عليها؟
ليس ما يهمنا هو كثرة المسابقات الشعرية في الفضائيات، ولا حتى قلتها!! المهم هو (كيفية) الشعر الذي نتلقاه عبر هده المسابقات الفضائية وليس (كميته).والفضائيات مثلها مثل غيرها من الوسائل الإعلامية الأخرى المرئية والمقروءة والمسموعة، وقد تنقل لنا ما هو غث كغثاء السيل، وقد تنقل لنا أيضا ما هو مفيد وممتع لنا جميعا.. ولكن من السلبيات الناتجة عن بعض المسابقات الشعرية الفضائية- وخاصة في الشعر الشعبي- أنها أوجدت نوعا من النعرات الإقليمية والعصبيات القبلية بين الشعراء المتنافسين على جوائزها، بشكل محموم، ومبالغ فيه إلى حد كبير، مما جعلها تخرج عن الهدف الحقيقي للشعر كفن إنساني راق، لتكون مثيرة للعنصريات القبلية والنعرات الإقليمية والمناطقية بين الشعراء وجماهيرهم من عامة الناس.

* مع تنوع المنافد التقنية الحديثة.. هل تراها أسهمت في ذيوع وانتشار الشعر؟
إنه لا يمكن الحكم بدقة على أن التقنية الحديثة قد أسهمت فعلا في انتشار الشعر ووصوله لشريحة كبيرة من الناس. المسألة هنا مسألة نسبية! وإنما الأصح أن نطرح السؤال التالي على أنفسنا: أي نوع من الشعر وصلنا عبر التقنية الحديثة؟ هل هو الشعر بمعناه الحقيقي ومعاييره الصحيحة؟ ثم أي فئة من المجتمع تتلقى هدا الشعر؟ هل هم من عامة الناس، ممن لا يفرقون بين الشعر وغيره من الفنون الأخرى؟ أم أنهم من أصحاب الاختصاص فيه ومن متذوقيه؟ حين نجيب عن هده الأسئلة سنعرف، عما إذا كانت التقنية الحالية قد ساهمت- بالفعل- في انتشار الشعر ووصوله بالشكل السليم للمهتمين به.

روائي في الأساس
* أي سبب دفعك إلى عالم الرواية؟

أنا في الأساس روائي، وشاعر أيضا، كتبت الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرحية والمقالة وغيرها منذ بداياتي الأدبية الأولى مع الابداع اللغوي بكافة أجناسه الأدبية. أي أنني لم أكن شاعرا فحسب، كتبت الشعر لفترة زمنية معينة ، ثم توقفت فجأة لأتوجه لكتابة السرد أو العكس كما يفعل بعض الكتاب والأدباء، وانما كانت بداياتي مع الأدب بشقيه الشعري والنثري في وقت واحد، ولي روايات ومسرحيات ومجموعة قصصية لاتزال مخطوطة بعضها كتبتها من أكثر من عشرين عاما مضت، ولازلت أحتفظ بها ريثما يحين الوقت المناسب لطباعتها ونشرها. ولكن أول أعمالي القصصية المطبوعة والمنشورة كانت رواية (شوال الرياض) وهي رواية تاريخية أدبية صادرة عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض عام 2004م تتحدث عن تأسيس ومراحل توحيد المملكة العربية السعودية بأسلوب روائي يجمع بين التاريخ والأدب. وانما الحاصل أن الناس عرفوني كشاعر فقط، ربما كان الشعر أسرع اعلاميا في الوصول إليهم من النثر.

تميز
* وجدت (البوكر) طريقها نحو السعودية.. فهل ترى في ذلك دليلًا على تميز روايتنا؟

هذا دليل خير عموما. وشرف يحق لنا أن نعتز به جميعا. والحقيقة أن حصول كتاب سعوديين على مثل هده الجائزة وغيرها من الجوائز الأدبية العربية أو العالمية لم يأت من فراغ، وإنما يدل بشكل قاطع على وصول الأدب السعودي للعالمية واستقطابه لنسبة كبيرة من القراء خارج حدوده الجغرافية، التي وجد فيها أساسا، مما يعكس صورتنا وثقافتنا وحضارتنا الرائعة في عيون الآخرين كشعب سعودي يتمتع بثقافة وهوية حضارية عريقة يحق لنا جميعا أن نفتخر بها، ونعتز بها دائمًا. بالتأكي هذا الفوز دليل على تميز روايتنا ونجاح الرواية السعودية وتميزها عن غيرها من الأدب الروائي العربي في البلدان العربية الأخرى، ووصول الصوت الروائي السعودي خارج أرضه وحدوده مع احترامنا وتقديرنا لجميع الأدباء والروائيين العرب، لكون الأدب السعودي جزءا لا يتجزأ من الأدبين العربي والاسلامي على مر العصور، ونجاحه وتميزه محسوب لصالح الشعوب العربية والاسلامية بشكل عام أينما كان موقعها من خارطة بلدانه، وهو يعكس حضارتها وهويتها الثقافية والمعرفية ،ومما يساهم في التلاقح الفكري بيننا وبين الآخرين.

لقاء مميز مع شخصية مميزة

يعطيك العافية أبو يزيد على النقل الرائع

يعطيك العافية على النقل